العرض في الرئيسةفضاء حر

ارشيف الذاكرة .. قصتي مع القات .. ماذا كان يقول عني في نفسه..؟!

يمنات

أحمد سيف حاشد

لدي مشكلة لا زالت تتكرر معي، وهي أنني أترك قاتي، وأخزّن من قات الذي يخّزن بجانبي!! مشكلة لم أستطع أن أضع لها حداً إلى اليوم.. مشكلة تترك بعض الأسئلة عالقة في ذهني طويلا، وأنا أتخيل الوقائع.. لا أستطيع سبر ما يعتمل في تفكير الآخر الذي أعتبره هنا في مقام “الضحية”، وهو يشاهد ما أقترف بحقه من “اعتداء”، في لحظة خروجي عن الوعي في أمر ما كان ينبغي أن أجهله، و ولوجي فيما يشبه الغياب الذهني حيال ذلك الأمر..

مرّات غير قليلة هي تلك التي وجدت نفسي أخزّن بقات الشخص الذي بجانبي.. ربما يرجع ذلك إلى الزحام أو انهماك في الحديث، أو انشغال بالحاضرين في المقيل، أو نحو ذلك من الظروف التي تحيط بي وتجعلني فريسة ما يشبه اللاوعي..

إنه ضرب من شرود أحيانا يطول، وربما يستمر إلى نهاية المقيل.. اكتشفت كثيرا أن برمجتي العصبية هي من تخزّن لا أنا.. غير أن السؤال الذي تشغفني الإجابة عليه: يا تُرى ماذا كان يدور في خلد من يراني تاركا قاتي، وأخزن من قاته، وهو صامت، ومتمالك أعصابه طول فترة المقيل، ويعف عن تنبيهي، بل وأحيانا يحدث أن أوزع من قاته على زملاء يأتون دون قات، أو أضيف إلى من ينتهي عليهم القات قبل نهاية المقيل.. ويُعظم وقع الأمر عندما يكون بيني وبين من أفعل به هذا، بعض أوجه الرسمية و”الإتكيت”، فضلا عن الاحترام والتقدير المتبادل..

كنت معزوم بمناسبة عرس في صالة أعراس في منطقة تقع قرب الجامعة الجديدة في صنعاء، وبعد مباركتي للعريس، عدت أبحث عن مكان في القاعة للجلوس والمقيل.. كانت القاعة مكتظة.. وجدت في القاعة محمد علي سعيد مدير دائرة الأشغال العسكرية “سابقا”، والأخ محمد عبد الغني القباطي، اللذان رحبا بي وأفردا لي مكانا إلى جانبهما..

وضعت قاتي “القطل” الذي كان في علاقي إلى جانبي، وفيما أنا أتوضع في المكان، كنت قد حسرته إلى تحتي في الجهة اليمنى، وهات يا دحس مع كل حركة آتي بها، دون أن أعلم إن قاتي صار يرزح تحت جسدي الثقيل، فيما قات صديقي محمد عبد الغني لا يخلو من فخامة.. مطول ومقطّف ومفرودا أمامه.. وبدلا من أن أخزن بقاتي، صرت دون دراية أو وعي أخزن من قات صديقي محمد عبدالغني، وظل هذا الحال حتى النهوض من مكاني وقت المغادرة، أو بالأحرى أستمر هذا الحال من الرابعة بعد العصر وحتى السادسة قبل المغرب.. لا شك أن محمد كان يرمقني مع كل مدة يد، ومائة مَدة في عددها قليل.. كان يرمقني بصمت، ولكنه صمت لاشك يخفي تحت سطحه كثير من العجب والأسئلة وأشياء أخرى ذات صلة لا أعرفها على وجه التحديد..

لازلت شغوفا إلى يومنا هذا، متطلعا بإلحاح إلى معرفة ماذا كان صديقي يحدّث نفسه، وهو يراني منكب على قاته انكباب منهمك، حد غياب الوعي؟! ما أستطيع قوله وتأكيده هو إنني كنت أتعاطى القات يومها بطريقة مثيرة للغاية.. بل هي إثارة على إثارة وعجب على عجب!!

نهضت الساعة السادسة قبل المغرب لأغادر المكان، وحالما انحنيت لأتناول تلفوني، لمحت علاقية القات تحتي قد صارت وما بها مسطحا ومستويا على الآخر حد الإلتصاق بقماش الفرش الذي كنت قاعدا عليه.. أخذته من طرفه بإذن رباطه، وأنا أسأل صديقي محمد عبد الغني:

– هذا قات من جلست عليه؟!
– أجاب: قاتك
– سألته: وأنا منين خزنت؟!!
– أجاب: من قاتي.. ما يهمك.. الحال واحد..
– قلت له: قاتي قطل وقاتك مطول..
– أجاب : ولا يهمك .. نحن واحدين..

شعرت بحرج وخجل يجتاحني دون أن يمنع ذلك من شهقة دهشة مني، وخروج قهقهة..

في يوم آخر خزنت في بيت صديقي محمد عبد الغني، وكان أهم ما أردت معرفته منه ليس هو: كيف حدث ما حدث ؟!! وإنما بماذا كان يتحدث مع نفسه في طي سره وكتمانه، وهو يراني منهمك، أقتات من قاته بشراهة معزة؟! كيف استطاع يتمالك أعصابه ساعتين، وهو يراني أفعل ما أفعله؟! ما أنا متأكد منه أن شكلي والطريقة التي كنت اتعاطى فيها القات تثير عاصفة من الضحك؟! فكيف أستطاع أن يكتم ضحكته طيلة مدة ساعتين تستحق الضحك الطويل والكثير..

ولكن للأسف لم يجب صديقي محمد على سؤالي، وإنما عمد إلى التهوين مما حدث.. فعدت حاسرا دون جواب.. إلى اليوم لا زال مثل هذا السؤال عالق في ذاكرتي، ويثير ضحكي عندما أتذكره، وأتخيل ما فعلته..

لطالما تكررت مثل هذه القصة معي، وتعددت ردود أفعال أصحابها، وسآتي على ذكر بعضها، ولطالما أتهمت نفسي بالغباء، ولكن تبدد هذا الشعور بعد أن قرأت ما لا يصدق عن كبار أتوا بما هو أكبر، مثل ذلك الذي نسى اسمه، والآخر الذي صنع أربع فتحات تحت باب غرفته لتمر القطة وأبناءها منها، فيما كانت واحدة تكفي لمرور الأربع القطط..

يتبع..

زر الذهاب إلى الأعلى